هلال رمضان لو نطق
لو نطق هلال رمضان الذي أطلَّ علينا مُنذُ أيَّام، لقال الكثير والكثير، ولكان من حقِّه أن يبكي حالنا وما وصلت إليه أوضاعنا الاجتماعية والسياسية والأخلاقية، وما تُعاني منه الأُمَّة في سائر الأقطار العربية والإسلامية من صراعاتٍ داخليةٍ وخارجية، ومن انكساراتٍ فاجعةٍ تجعل قامات أبنائها مُنكَّسةً نحو الأرض، فلا تَعُدْ ترى هلالاً ولا قمراً ولا نُجوماً، ولا تتَّفق على موقفٍ أو تُجيد النظر في شأنٍ من شُؤونها الدنيوية أو حتَّى تقدر على رُؤية الهلال الذي يُحدِّد موعد الفريضة السنوية، وذلك لأنَّ مَنْ أدام الانحناء وعانت رُوحه من اضطرابٍ داخليٍّ لا يستطيع أن يرفع رأسه إلى السماء، ليتأكَّد من أنَّ نُجومها ما تزال تُومض، وأقمارها تتلألأ، وأهلّتها تُعلن مع مطلع كُلّ شهرٍ قمريٍّ أنَّ الأرض تدور، وأنَّ الزمن يُمارس حركته والأيَّام تُواصل دورتها، وأنَّ الإنسان المهزوم هُو وحده الواقف الجامد.
ولو كُنَّا نُصغي بقُلوبنا ووجداننا لكان لنا أن نستمع إلى ما يقوله هلال رمضان وما يُبديه من تحسُّرٍ مشوبٍ بالغضب على حالة التمزُّق التي تُعاني منها أُمَّتنا، وعلى ما نزل بها وينزل من خساراتٍ مُتلاحقة.
ولا يكفي أن نُصغي لما يقوله الهلال، بل علينا أن نخجل من أوضاعنا، وأن نبدأ برفض ما قُلناه وما نزال نقوله من أنَّ مشكلاتنا تأتي من الآخر، من الأجنبي الذي يتربَّص بنا، ومن القوى الطامعة في ثرواتنا ومصادر أسواقنا، في حين أنَّ هذه المشكلات هي من صنعنا نحن، وما كان للأجنبي، أيَّاً كانت قُوَّته وإمكاناته، أن يخترق الصُّفوف المُوحَّدة أو يتحدَّى إرادة الشُّعوب، فالقُوَّة ليست في الأسلحة ولا في الجيوش الجرَّارة، وإنَّما هي بالوحدة والتضامن وبإرادة المُقاومة.
وإذا ما توفَّرت هذه القُوَّة في شعبٍ من الشُّعوب، فإنَّه جديرٌ بأن يُحقِّق أعظم الانتصارات على خُصومه وعلى الطامعين في احتلال أراضيه، ولكن أنَّى للشُّعوب العربية والإسلامية أن تمتلك إرادتها، وأن تتحرَّر من خلافاتها وانقساماتها، وأن لا يختلف أبناؤها في تحديد يوم صومهم ويوم عيدهم، وأن تتوحَّد مُناسبات أفراحهم وأتراحهم؟.
هلال رمضان، الذي أطلَّ مُنذُ أيَّامٍ على أُمَّةٍ عربيةٍ وإسلاميةٍ مُمزَّقة، وأقطارٍ تُعاني من مشكلاتٍ تنوء بها الجبال، هذا الهلال الكريم لا يدري من أين يبدأ الحديث ولا ماذا يقول لأُمَّةٍ ضاقت الأرض بالعدد الكبير من أبنائها، لكنَّهم- كما أشار الحديث الشريف مُنذُ أكثر من ألفٍ وأربعمائة عام- غ"ُثاءٌ كغُثاء السيل"، لا ينجحون في شيءٍ كنجاحهم في اختلاق الأسباب المُؤدِّية إلى الخلافات فيما بينهم، كما لا يجيدون عملاً سوى مُحاربة بعضهم بعضاً والتآمر على أبناء عقيدتهم وأبناء جلدتهم.
نعم، أطلّ هلال رمضان هذا العام على دماءٍ تسيل هُنا وهُناك من أرض العُروبة والإسلام وبوتيرةٍ غير مسبوقة، دماءٌ يسفكها الأعداء، ودماءٌ يسفكها الإخوة الأعداء لخلافاتٍ أو اختلافاتٍ كان يُمكن أن تُحَلَّ دُونما عناء، ودُون إراقة قطرة دمٍ واحدةٍ لولا العناد والإصرار على الزجّ بالأبرياء في أتون حُروبٍ لا ناقة لهم فيها ولا جَمَل.
أخيراً، لو نطق هلال رمضان لبكى واشتكى وحاول الفرار من هول ما يرى من جرائم وآثامٍ تتمّ في أرض الإسلام، ورُبَّما قال للفلسطينيين: على مهلكم، أتقتلون بعضكم بعضاً وأنتم تحت الاحتلال الاستيطاني الصهيوني، الذي لا يكفّ عن قتلكم وتدمير حياتكم، ثُمَّ ما الذي سوف تعملونه بأنفسكم بعد أن يرحل؟!
ورُبَّما قال للعراقيين: كفى دماءً يا قوم، ولماذا تُوجِّهون أسلحتكم إلى صُدور أشقَّائكم بدلاً من أن تتَّجه إلى صُدور المُحتلِّين والغُزاة؟ ثُمَّ ما الذي يُفرِّقكم وأنتم جميعاً تقولون "لا إله إلاَّ اللَّه مُحمَّدٌ رَسُوْل اللَّه"؟! ورُبَّما قال للأُوروبِّيِّين والأمريكان: إذا كُنتم مُصرِّين على إبادة الشعب الأفغاني عن بكرة أبيه، فَمَنْ سيبقى لاعتناق ديمقراطية الموت التي تُحاولون تصديرها وإغراء المخدوعين ببريقها الكاذب؟ وأيَّة حُرِّيَّةٍ تلك التي تُبشِّرون بها تحت أسنَّة الصواريخ وهدير القذائف والقنابل؟!.
تأمُّلاتٌ شِعْرِيَّة:
قُلتُ للنفس:
لا تحزني، لا تُراعي
فما زالت الشمس تشرق
والبحر ما زال أزرق لا يرتوي،
والينابيع فِضَّتها لم تَزَل
تتحدَّر صاعدةً من أعالي الجبالْ.
قُلتُ للوطن المُتدثِّر بالضوء والأُمنيات:
سلامٌ عليك،
سلامٌ لكُلّ بنيك،
سلامٌ لكُلّ السُّهول
سلامٌ لكُلّ التلالْ.